دروس و شروحات

هاتفك الآيفون تحطّم مئات المرات قبل حتى أن تضع يدك عليه!

عندما تشتري جهاز آيفون جديدًا من متجر آبل أو من أحد الموزعين المعتمدين، فإنك تتوقع أن يصل إليك في حالة ممتازة، بتصميم أنيق ومتانة عالية. لكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن هذا الجهاز الجميل والمُتقن قد تم إسقاطه عمدًا مئات المرات، وتعرض لظروف قاسية وصدمات عنيفة… قبل حتى أن يُسمح له بمغادرة المصنع! نعم، هاتفك الآيفون تحطّم مرارًا وتكرارًا، ولكن ليس عبثًا، بل ضمن واحدة من أكثر مراحل الاختبار صرامة في عالم التكنولوجيا.

رحلة الآيفون داخل مختبرات آبل: اختبارات لا ترحم

مصنع لصناعة هواتف الايفون

قبل أن يُطرح أي نموذج جديد من الآيفون في الأسواق، تمر كل وحدة منه بسلسلة طويلة من اختبارات الجودة والصلابة في مختبرات آبل السرية. هذه الاختبارات لا تهدف فقط إلى ضمان أن الهاتف يعمل كما يجب، بل للتأكد من أنه يستطيع تحمل أقسى ظروف الاستخدام في العالم الحقيقي.

في مركز آبل للاختبارات في كاليفورنيا، تُستخدم آلات مخصصة لمحاكاة السقوط العرضي من الجيوب والطاولات واليدين. يتم إسقاط النماذج الأولية للآيفون من ارتفاعات مختلفة على أسطح صلبة مثل الخرسانة والفولاذ، وفي كل مرة يتم توثيق التأثيرات وملاحظة الأضرار. لا ينجو أي هاتف من هذه الاختبارات سالمًا، وهذا هو المطلوب تمامًا.

اختبارات الحرارة والرطوبة والغبار

السقوط ليس وحده ما يهدد سلامة الهاتف. لذلك تخضع أجهزة الآيفون لاختبارات قاسية أخرى تشمل:

  • درجات حرارة متطرفة: يتم تعريض الهواتف لدرجات حرارة شديدة البرودة تصل إلى -40 درجة مئوية، وأخرى مرتفعة قد تتجاوز 80 درجة. الهدف هو معرفة مدى تحمل المكونات الداخلية لهذه التغيرات.
  • الرطوبة: توضع الأجهزة في غرف تحاكي البيئات الرطبة مثل الغابات الاستوائية، لاختبار قدرة الجهاز على الصمود أمام الرطوبة العالية دون تعطل.
  • الغبار والرمل: تدخل الأجهزة في صناديق خاصة يتم فيها تدوير الرمال والغبار بدقة، لمحاكاة دخول هذه الجزيئات الدقيقة إلى الهاتف ومعرفة تأثيرها على الأداء.
هذا المقال قد يهمك أيضا: اضغط لفتحه
تعرف إن كان جهازك يدعم تطبيقات الواقع المعزز المطورة بتقنية ARKit

اختبارات الضغط والانحناء

اختبارات الضغط والانحناء على الايفون داخل المصنع

منذ حادثة “Bendgate” الشهيرة عام 2014، عندما اشتكى مستخدمو ايفون 6 Plus من انحناء أجهزتهم داخل الجيب، شددت آبل إجراءات اختبار الانحناء. الآن، تمر جميع هواتف الآيفون باختبار ضغط خاص حيث يتم تسليط قوة هائلة على جوانب الجهاز لاختبار مدى مقاومته للانحناء أو الكسر.

اختبارات الغمر في الماء

رغم أن معظم هواتف آبل الحديثة مقاومة للماء حسب معايير IP68، إلا أن الشركة لا تكتفي بالمواصفات النظرية. يتم بالفعل غمر النماذج في مياه عذبة ومالحة، وفي بعض الأحيان حتى في مشروبات مثل القهوة والصودا، لمعرفة تأثير السوائل على الدوائر الداخلية.

آلات محاكاة الاستخدام اليومي: عندما يصبح الروتين اختبارًا صارمًا

ربما تعتقد أن الاستخدام اليومي لهاتفك لا يُشكل ضغطًا كبيرًا عليه، لكن الحقيقة أن المهندسين في آبل يفكرون بطريقة مختلفة تمامًا. في مختبرات الشركة، توجد آلات معقدة ومتطورة وظيفتها الوحيدة هي محاكاة كل ما يمكن أن يفعله المستخدم العادي بجهاز الآيفون، لكن بشكل متكرر ومكثف للغاية. فبدلاً من الضغط على زر الطاقة مئات المرات خلال شهور أو سنوات، تقوم هذه الآلات بالضغط آلاف المرات في ساعات فقط.

وهناك أجهزة مخصصة لإدخال وإخراج كابل الشحن Lightning أو USB-C مرات لا تُعد ولا تُحصى، لاختبار مدى صمود منفذ الشحن أمام الاستخدام المكثف. وآلات أخرى تلامس الشاشة بمستويات ضغط مختلفة، لمحاكاة اللمسات الخفيفة والنقرات القوية التي تحدث يوميًا. بل والأغرب من ذلك، توجد منصات اختبار توضع فوقها أجهزة الآيفون ليتم “الجلوس” عليها مرارًا وتكرارًا بضغط يحاكي وزن الإنسان، لاختبار مقاومتها عند وضعها في الجيب الخلفي مثلاً.

كل هذه العمليات لا تتم بشكل عشوائي، بل وفق معايير دقيقة تشمل الزوايا، القوى المؤثرة، والمدة الزمنية. الهدف من هذه الاختبارات المتكررة هو ضمان أن كل مكون من مكونات الهاتف يمكنه تحمل سنوات من الاستخدام الطبيعي دون أن يفقد كفاءته. هذه المرحلة وحدها كفيلة بالكشف عن مشكلات في الأزرار، ضعف في التصاق الشاشة، أو حتى تآكل في الكابل أو المنفذ، وبالتالي تُعد ضرورية لطرح منتج عالي الجودة بحق.

هذا المقال قد يهمك أيضا: اضغط لفتحه
طريقة إلغاء تحديث iOS 13 و العودة إلى iOS 12.4.1

الذكاء الاصطناعي يشارك أيضًا: دمج القوة الحسابية بالهندسة الواقعية

في عصر الثورة الرقمية، لم تكتفِ آبل بالاختبارات الفيزيائية فقط، بل أدخلت الذكاء الاصطناعي بقوة في مرحلة تحليل البيانات الناتجة عن هذه الاختبارات. فكل عملية سقوط، وكل اختبار انحناء، وكل لمسة شاشة تُنتج بيانات ضخمة يتم تسجيلها بشكل آني. وبدلًا من الاعتماد فقط على التحليل البشري، يتم الآن تمرير هذه البيانات إلى أنظمة ذكاء اصطناعي مدربة خصيصًا لاكتشاف أنماط الأعطال المحتملة وتحديد نقاط الضعف بدقة متناهية.

هذه الأنظمة قادرة على ربط مئات العوامل معًا، مثل تأثير درجة الحرارة على الزجاج الخلفي، أو العلاقة بين معدل السقوط وتلف الكاميرا، وحتى تحليل طريقة الاستخدام اليومي بناءً على محاكاة واقعية. الذكاء الاصطناعي لا يتوقف عند التحليل فقط، بل يقدم توصيات تصميمية أيضًا، مثل تعديل توزيع المكونات الداخلية، أو تغيير نوع المادة المستخدمة في الغطاء، أو تحسين بنية زر معين ليتحمل ضغطًا أكبر.

إضافة إلى ذلك، تستفيد آبل من الذكاء الاصطناعي في مراقبة البيانات الميدانية بعد إطلاق الأجهزة، حيث تقوم بتحليل شكاوى المستخدمين وتقارير الأعطال بشكل لحظي. وبالتالي، لا تقتصر فائدة هذه الأنظمة على مرحلة ما قبل الإنتاج، بل تساهم أيضًا في تحسين الإصدارات المستقبلية وتحديث البرامج وفقًا لاستخدامات المستخدمين الواقعية.

باختصار، الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا لا يتجزأ من فلسفة آبل في ضمان الجودة، حيث يجمع بين دقة الأرقام وسرعة التحليل لخلق تجربة استخدام تتفوق على مجرد التصميم الجيد، وتصل إلى مستوى الذكاء الذي يفهم احتياجات المستخدم ويتنبأ بالمشكلات قبل حدوثها.

كل هذا… لكي تحصل على تجربة ممتازة

كل ما سبق لا يحدث في العلن، ولا يعرف عنه معظم الناس شيئًا. لكنه يحدث خلف الكواليس، لأن آبل تدرك جيدًا أن ثقة المستخدم لا تُشترى بسهولة. لذا فهي تستثمر ملايين الدولارات سنويًا فقط في مرحلة الاختبار، لتضمن أن أول تجربة للمستخدم مع الآيفون ستكون مثالية إلى أقصى حد.

هذا المقال قد يهمك أيضا: اضغط لفتحه
مايكروسوفت تعلن خاصية الوصول للأيفون في ويندوز 11 عبر دمج الأيفون في قائمة "ابدأ"

وهذا ما يجعل الآيفون يختلف عن الكثير من الهواتف الأخرى في السوق. صحيح أن الأجهزة الذكية الأخرى قد تبدو مشابهة في الشكل أو حتى في بعض الخصائص، لكن القصة الحقيقية تبدأ في التفاصيل، وتحديدًا في كيفية اختبار كل جزء من الجهاز قبل أن يصل إليك.

هل هذه الاختبارات تمنع جميع الأعطال؟

بالطبع لا يوجد منتج مثالي، ومن الطبيعي أن تظهر عيوب في بعض الوحدات، أو أن تتعرض الأعطال بمرور الوقت. لكن الفارق هنا هو أن آبل تسعى لتقليل هذه الاحتمالات إلى الحد الأدنى، من خلال محاكاة كل سيناريو محتمل.

كما أن نتائج هذه الاختبارات لا تقتصر على الأجهزة الجديدة فقط، بل تُستخدم لتحسين تصميمات الأجيال المستقبلية. مثلًا، إذا لاحظت آبل أن طرازًا معينًا يعاني من كسر الزجاج الخلفي عند زاوية معينة، فسيتم تدعيم تلك المنطقة في الطراز التالي.

في الختام: الهاتف الذي تحمّل ما لم تتحمله

قد تظن أن جهاز الآيفون الجديد الذي اشتريته للتو لم يُمس من قبل، لكن الحقيقة أنه “ممثّل” عن مئات الأجهزة التي خضعت للتعذيب من أجل أن يولد هذا الهاتف بجودة لا يُشك فيها. لقد سقطت هواتف، وانكسرت شاشات، واحترقت لوحات، وذابت أسلاك… كل ذلك لتضمن آبل أن هاتفك سيعمل بشكل مثالي في يدك.

في المرة القادمة التي يسقط فيها هاتفك من يدك وتتمنى أن ينجو، تذكّر أنه قد “تدرّب” على ذلك مئات المرات… قبل أن تعرف اسمه حتى!

لمعرفة المزيد عن مقالاتنا زوروا صفحتنا على الرابط التالي i-phony.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *