هواتف آيفون مصنوعة في الولايات المتحدة: الأمر ممكن ولكن بشرط

هل يمكن تصنيع آيفون بالكامل في أمريكا؟
في ظل التسارع الهائل في مجالات التكنولوجيا والابتكار، وتغير موازين القوى الاقتصادية والصناعية حول العالم، يعود إلى الواجهة سؤال استراتيجي محوري: هل يمكن الحديث عن هواتف آيفون مصنوعة في الولايات المتحدة بدلا من الاعتماد على الصين وغيرها من الدول الآسيوية؟ هذا التساؤل لا ينبع فقط من رغبة وطنية في إعادة التوازن لسلاسل الإنتاج العالمية، بل يعكس أيضًا ضغوطًا متنامية من الحكومة الأمريكية والجهات التنظيمية، وكذلك من شريحة كبيرة من المستهلكين الأمريكيين الذين باتوا يطالبون بأن تكون منتجات الشركات العملاقة مثل آبل، أكثر ارتباطًا بالجذور الأمريكية التي تنتمي إليها.
فشركة آبل، التي تُعد من أبرز رموز الريادة التكنولوجية في القرن الحادي والعشرين، تجد نفسها اليوم في موقع حساس بين مطرقة السياسات التجارية المتشددة، وسندان الواقع الصناعي العالمي الذي يفرض معادلات معقدة يصعب تجاهلها. وبينما تبدو فكرة تصنيع آيفون بالكامل على الأراضي الأمريكية جذابة من الناحية الرمزية والسياسية وحتى الاقتصادية على المدى البعيد، إلا أن تنفيذها لا يمكن أن يتم بقرار إداري بسيط من داخل مكاتب آبل في كاليفورنيا. الأمر يتطلب بنية تحتية متكاملة، واستثمارات ضخمة، وإرادة سياسية حقيقية، وأهم من ذلك: شرط أساسي لا غنى عنه يتمثل في دعم حكومي مباشر وشامل يعيد رسم خريطة التصنيع داخل الولايات المتحدة ويمنح الشركات التقنية الكبرى مثل آبل القدرة على تجاوز الفجوة التكنولوجية والتكلفة مع الشرق الآسيوي.
سلسلة التوريد العالمية: العمود الفقري لصناعة آيفون
يُعد “آيفون” نتاجًا لسلسلة توريد عالمية معقدة تشمل مئات الموردين من دول مختلفة. فعلى سبيل المثال، تُصنّع شرائح المعالجة في تايوان، وتأتي الشاشات من كوريا، والكاميرات من اليابان، بينما يتم التجميع النهائي في مصانع فوكسكون بالصين. هذه السلسلة مترابطة بدقة، ما يجعل من الصعب نقلها بالكامل إلى أرض أمريكية دون تكاليف ضخمة ومخاطر تشغيلية عالية.
تكلفة إنتاج آيفون في أمريكا: قفزة قد تصدم المستهلكين

أكبر عائق أمام تصنيع آيفون في أمريكا هو التكلفة. فرق الأجور بين العامل الصيني والعامل الأمريكي هائل، كما أن بناء مصانع فائقة التطور يحتاج إلى مليارات الدولارات. وبحسب تقديرات خبراء الاقتصاد الصناعي، فإن تصنيع آيفون أمريكي الصنع قد يزيد سعر الجهاز بمقدار يتراوح بين 30٪ إلى 50٪، ما قد يدفع المستهلكين للبحث عن بدائل أرخص.
مصانع آبل داخل أمريكا: تجارب سابقة لم تكتمل
رغم التحديات، قامت آبل بمحاولات لتوطين الإنتاج، كما في حالة جهاز Mac Pro الذي أُنتج في مصنع تكساس عام 2013. لكن هذه التجربة لم تدم طويلًا، حيث واجهت صعوبات في تأمين المكونات والدقة العالية في التصنيع، ما دفع آبل للعودة مجددًا إلى سلسلة التوريد الآسيوية الموثوقة.
هل هناك بدائل للتجميع في الصين؟
مع تزايد التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، بدأت آبل تنقل جزءًا من عمليات التجميع إلى الهند وفيتنام. هذه البلدان تمثل بدائل استراتيجية للتقليل من الاعتماد على الصين، لكنها لا تعني بالضرورة العودة للتصنيع المحلي داخل أمريكا. وهذا يُظهر أن شركة آبل تبحث عن التوازن بين التكلفة والجودة والمخاطر الجغرافية، لا عن “صُنع في أمريكا” كخيار أول.
أزمة أشباه الموصلات: فرصة لإعادة التصنيع الأمريكي؟
الأزمة العالمية في أشباه الموصلات التي بدأت منذ عام 2020 أعادت تسليط الضوء على أهمية الإنتاج المحلي. الحكومة الأمريكية أطلقت مبادرات لدعم بناء مصانع شرائح إلكترونية داخل أراضيها، مثل مصنع TSMC في أريزونا، ومصنع إنتل الجديد. هذه المشاريع قد تمهد الطريق لتوطين أجزاء من صناعة آيفون، لكن الأمر سيستغرق سنوات لتكتمل هذه البنية.
البنية التحتية الصناعية: مقارنة بين أمريكا وآسيا
لا يمكن إغفال أن الصين وآسيا عمومًا تمتلكان بنية تحتية صناعية متكاملة. فالمصانع والعمالة المدربة وسلاسل التوريد الجاهزة متوفرة بكثافة، بينما تحتاج أمريكا إلى إعادة تأهيل صناعي كبير لتستطيع مجاراة هذا المستوى من الجاهزية. حتى إن توفرت التكنولوجيا، تبقى الكفاءة والسرعة والتكلفة عوامل تحدّ من التصنيع المحلي.
دور الحكومة الأمريكية: الشرط الوحيد
الشرط الحاسم لتحقيق حلم آيفون أمريكي الصنع هو تدخل الدولة. الدعم الحكومي في شكل حوافز ضريبية، قروض منخفضة الفائدة، استثمارات في التعليم التقني، وتوفير الطاقة والبنية التحتية، كلها أمور ضرورية. بدون دعم مباشر من الحكومة، ستظل آبل تجد صعوبة في اتخاذ قرار مكلف كهذا، خاصة إذا لم يكن له مردود مالي مباشر.
رغبة المستهلكين: بين الفخر الوطني والسعر
رغم أن فكرة “صُنع في أمريكا” تحمل رمزية وطنية كبيرة، إلا أن العامل الأهم للمستهلك هو السعر. إذا ارتفع ثمن آيفون بسبب التصنيع المحلي، فقد يختار كثير من العملاء بدائل أرخص حتى لو كانت مصنوعة في الخارج. لذلك، نجاح أي خطة لتوطين التصنيع يتطلب توازنًا دقيقًا بين الجودة والسعر والهوية.
هل هناك مستقبل لآيفون أمريكي الصنع؟
مع ازدياد الاستثمار الأمريكي في الصناعات الدقيقة، وتصاعد التوترات العالمية، وظهور تحديات في الاعتماد على الصين، يبدو أن أمريكا تتحرك تدريجيًا نحو استعادة قدراتها التصنيعية. قد لا نرى آيفون بالكامل أمريكي الصنع في السنوات القليلة القادمة، لكننا سنرى على الأرجح أجهزة بقطع أمريكية أكثر، وتجمعها أيادٍ أمريكية داخل مصانع متقدمة على الأراضي الأمريكية.
خاتمة: الحلم ممكن… بشرط واحد لا غنى عنه
صناعة آيفون في أمريكا ليست مستحيلة، لكنها تحتاج إلى تدخل حكومي حقيقي يدعم القطاع الصناعي على كل المستويات. إذا توفرت الإرادة السياسية، وتمت إعادة بناء البنية التحتية الصناعية، فقد يتحول الحلم إلى واقع. وإلى أن يتحقق ذلك، ستبقى عبارة “صُنع في أمريكا” هدفًا بعيد المنال في عالم الآيفون.
اكتشف كل ما هو جديد في عالم آبل – زر موقعنا الآن عبر الرابط التالي واستعد لمستقبل الابتكار i-phony.com