تكاليف إنتاج آيفون القادم ترتفع بشكل غير مسبوق: ما الذي تغيّر داخل الجهاز؟

تُعرف شركة آبل بدقّتها الشديدة في إدارة سلسلة التوريد وخفض التكاليف دون التأثير على جودة منتجاتها. لكن التقارير الأخيرة تشير إلى أن الجيل القادم من هواتف آيفون قد يكون الأغلى تكلفة في تاريخ الشركة. الحديث هنا لا يدور عن سعر البيع للمستخدم، بل عن تكلفة الإنتاج نفسها، التي يُتوقع أن ترتفع بمليارات الدولارات. فما الذي يحدث بالضبط داخل مصانع آبل؟
مكوّنات أغلى وتقنيات جديدة مكلفة
المصدر الأساسي لارتفاع التكلفة يعود إلى المكوّنات المتقدمة التي ستعتمدها آبل في الجيل القادم. فبحسب تسريبات من سلسلة التوريد في آسيا، تخطط الشركة لاستخدام شاشات أكثر تطورًا بتقنية “مايكرو أوليد” الجديدة، التي توفر دقة ألوان أفضل واستهلاكًا أقل للطاقة.
هذه الشاشات باهظة الثمن في الوقت الحالي لأنها تتطلّب خطوط إنتاج حديثة لم تدخل مرحلة التصنيع الواسع بعد. شركات قليلة فقط حول العالم قادرة على إنتاجها بجودة تناسب معايير آبل، مثل “سامسونغ ديسبلاي” و”إل جي”، ما يجعل المنافسة محدودة والتكلفة مرتفعة.
المعالج الجديد… أقوى وأغلى
من جهة أخرى، تعمل آبل على تطوير معالج جديد يُعرف مؤقتًا باسم “إيه 20 برو” بتقنية تصنيع 2 نانومتر. هذه التقنية متقدمة جدًا وتُعد من أصعب المراحل في صناعة الشرائح الإلكترونية، إذ تتطلّب معدات باهظة الدقة وتعاونًا مباشرًا مع شركة “تي إس إم سي” التايوانية، المزود الحصري لمعالجات آبل.
تكلفة إنتاج هذه المعالجات يُتوقع أن تكون أعلى بنسبة 25٪ على الأقل مقارنة بمعالج “إيه 19” المستخدم في آيفون 17 برو. السبب هو تعقيد عملية التصنيع وانخفاض الإنتاج الناجح في المراحل الأولى.
لكن في المقابل، سيجلب هذا المعالج أداءً أعلى وكفاءة طاقة أفضل، مما يعني بطارية تدوم أطول وتجربة استخدام أكثر سلاسة.
التركيز على الذكاء الاصطناعي يرفع الكلفة
آبل بدأت مؤخرًا الاستثمار بقوة في تطوير ميزات الذكاء الاصطناعي المحلي داخل هواتفها، وهو ما يتطلب مكونات إضافية مثل وحدات معالجة متخصصة وذاكرة أكبر.
تقول المصادر إن الشركة تسعى لجعل الذكاء الاصطناعي جزءًا من التجربة اليومية في آيفون القادم — من الكتابة الذكية، إلى تنظيم الصور، وحتى التفاعل مع المساعد الصوتي الجديد الذي يعتمد على معالجة اللغة الطبيعية مباشرة داخل الجهاز.
كل هذه المزايا تتطلّب شرائح أكثر قوة وذاكرة أكبر، ما يعني زيادة واضحة في كلفة المواد الخام والتجميع.

تغييرات في التصنيع والمواد
من الجوانب الأخرى التي قد ترفع التكلفة: المواد الجديدة التي تخطط آبل لاستخدامها في الهيكل الخارجي. تشير التقارير إلى أن الشركة تختبر مزيجًا جديدًا من التيتانيوم والألومنيوم لتقليل الوزن دون التضحية بالمتانة.
هذه العملية ليست سهلة، وتتطلب أدوات تشكيل خاصة ومعالجة حرارية دقيقة، ما يضيف تكاليف إضافية في كل مرحلة من مراحل الإنتاج.
كما تفكّر آبل في توسيع استخدام الزجاج المقوّى بطبقة من الكريستال المجهري لتحسين مقاومة الصدمات، وهي تقنية مكلفة تُستخدم حاليًا فقط في بعض ساعات آبل الفاخرة.
النقل والتجميع: عقبات جديدة
بعد التوترات الجيوسياسية الأخيرة، بدأت آبل تنقل جزءًا من إنتاجها من الصين إلى دول مثل الهند وفيتنام. ورغم أن هذا التحرك يهدف لتقليل اعتمادها على الصين على المدى الطويل، إلا أن التكلفة الأولية مرتفعة.
إنشاء خطوط إنتاج جديدة وتدريب العمالة وإعادة تصميم سلسلة الإمداد يعني إنفاقًا إضافيًا بمليارات الدولارات قبل أن تصل المصانع الجديدة إلى مستوى الإنتاج المطلوب.
بمعنى آخر، آبل تدفع الآن فاتورة الاستقلال الصناعي الذي تطمح إليه منذ سنوات.
هل سترتفع الأسعار للمستخدمين أيضًا؟
السؤال الأهم بالنسبة للمستهلك هو: هل سترتفع أسعار هواتف آيفون القادمة؟
الإجابة ليست واضحة بعد، لكن من غير المرجّح أن تتحمل آبل كامل هذه التكاليف وحدها. عادة ما تقوم الشركة بامتصاص جزء من الزيادة في البداية للحفاظ على استقرار الأسعار، ثم ترفعها تدريجيًا في الإصدارات التالية.
لكن بالنظر إلى حجم التطويرات القادمة — خصوصًا في المعالج والشاشة — فإن زيادة طفيفة في السعر تبدو محتملة، خصوصًا في فئة “برو ماكس”.
الأسواق الكبرى مثل الولايات المتحدة وأوروبا قد تشهد ارتفاعًا يتراوح بين 50 و100 دولار في السعر الابتدائي، بينما قد تبقى الأسعار في الأسواق الأخرى قريبة من المستويات الحالية، مع اختلاف في سعة التخزين لتبرير الفارق.
المنافسة تضغط، لكن الجودة لا تزال أولوية
رغم المنافسة الشرسة من شركات مثل “شاومي” و”أوبو” و”سامسونغ”، لا تزال آبل تحافظ على موقعها المميز في فئة الهواتف الراقية. السبب هو تركيزها الدائم على التفاصيل والجودة، حتى لو كانت الكلفة أعلى.
لكن مع زيادة أسعار المكونات عالميًا، ستضطر الشركة قريبًا إلى موازنة دقيقة بين الجودة والسعر. فالمستخدمون أصبحوا أكثر وعيًا بالسوق، ولا يقبلون بسهولة فكرة دفع مبالغ كبيرة مقابل تحسينات طفيفة.
آبل تدرك ذلك، ولهذا تعمل على إدخال ميزات جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتجربة المستخدم الشاملة، بدل التركيز فقط على المواصفات التقنية.
مليارات إضافية اليوم… استثمار للمستقبل
من السهل القول إن آبل تنفق أكثر من اللازم، لكن من وجهة نظر استراتيجية، ما تفعله الشركة هو استثمار طويل الأمد.
فالتقنيات التي تطوّرها الآن — مثل شاشات مايكرو أوليد ومعالجات 2 نانومتر — ستستخدمها في منتجات أخرى لاحقًا، مثل الحواسيب اللوحية وساعات آبل الذكية. أي أن الزيادة في التكلفة اليوم قد تتحول إلى ربح أكبر لاحقًا بفضل توحيد التكنولوجيا بين منتجاتها المختلفة.
كما أن اعتماد الذكاء الاصطناعي المحلي سيقلل من اعتماد الشركة على الخوادم السحابية، ما يوفر لها أموالًا طائلة في التشغيل مستقبلاً.
نظرة ختامية
من الواضح أن الجيل القادم من هواتف آيفون سيكون خطوة مكلفة جدًا لآبل، لكنه في الوقت نفسه خطوة ضرورية لتبقى الشركة في موقع الريادة. التطوير الحقيقي دائمًا يأتي بثمن، وآبل تراهن على أن المستخدمين سيقدّرون الفارق في الأداء والجودة.
قد لا تكون الأسعار النهائية مرتفعة بشكل صادم، لكن خلف الكواليس هناك تكاليف ضخمة تُدفع لبناء مستقبل آيفون الجديد — مستقبل يعتمد على تقنيات أذكى، وأداء أقوى، وتجربة أكثر تكاملًا بين العتاد والبرمجيات.