انهيار مبيعات آيفون في الصين… ما الذي يحدث لآبل؟

تُعد الصين من أكبر وأهم الأسواق لشركة آبل، حيث كانت تمثل على مدار سنوات مصدرًا رئيسيًا للإيرادات بفضل الشعبية الكبيرة التي كانت تحظى بها هواتف آيفون بين المستخدمين الصينيين. ولكن خلال عام 2024، شهدت آبل تراجعًا حادًا في مبيعات هواتف آيفون داخل السوق الصيني، حيث كشفت الإحصاءات عن انخفاض بنسبة تفوق 17% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. هذا التراجع لم يكن صدفة أو حالة عابرة، بل جاء نتيجة لعوامل متشابكة تتعلق بالتنافس، الأسعار، السياسة، والتقنيات الجديدة. في هذا المقال المفصل، أسباب انهيار مبيعات آيفون في الصين ونُحلل مستقبل آبل في السوق الصيني.
صعود المنافسين المحليين بقوة في السوق الصيني
من أبرز الأسباب التي ساهمت في تراجع مبيعات آيفون في الصين هو عودة المنافسة الصينية القوية، لا سيما من شركات مثل هواوي وشاومي وفيفو وأوبو. شركة هواوي، التي كانت قد تضررت بشدة من العقوبات الأمريكية، عادت بقوة في عام 2024 من خلال إطلاق سلسلة هواتف Mate 60، التي تُعد أول سلسلة تستخدم شرائح معالجة صينية بالكامل، مثل معالج Kirin 9000s، دون الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية.
المستهلك الصيني، الذي يعتز بالمنتجات الوطنية، وجد في هذه الهواتف بديلًا ممتازًا لآيفون، خصوصًا مع الميزات التقنية المتطورة والأسعار المنافسة. وقد ارتفعت شحنات هواوي بنسبة 24% في الربع الأخير من عام 2024، مقارنة بانخفاض آبل.
الأسعار المرتفعة لهواتف آيفون مقابل هواتف صينية أرخص

في السوق الصيني، السعر يلعب دورًا مهمًا في قرار الشراء، خاصة أن الفئات المتوسطة والمنخفضة تمثل الشريحة الأكبر من المستخدمين. هواتف آيفون تُباع بأسعار تبدأ من حوالي 7999 يوان، أي ما يعادل أكثر من 1100 دولار أمريكي، ما يجعلها خارج نطاق القدرة الشرائية لعدد كبير من المستهلكين الصينيين.
وفي المقابل، تقدم الشركات الصينية هواتف متطورة بمواصفات قوية وأسعار تبدأ من 2500 إلى 5000 يوان، ما يجعلها أكثر جذبًا للمستهلك الصيني. والأسوأ من ذلك بالنسبة لآبل، أن الحكومة الصينية تدعم بشكل مباشر شراء الهواتف التي يقل سعرها عن 6000 يوان، مما يجعل هواتف آيفون خارج دائرة الدعم.
تأخر آبل في مواكبة تقنيات الذكاء الاصطناعي

في عام 2024، شهد سوق الهواتف الذكية ثورة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت الشركات تضيف مساعدين رقميين ذكيين، كاميرات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، وتحسينات فورية في الأداء والتفاعل. ولكن آبل، وخصوصًا في السوق الصيني، تأخرت في إدخال هذه التقنيات.
العديد من خدمات الذكاء الاصطناعي الأمريكية، مثل Siri وChatGPT، إما محظورة في الصين أو تعمل بإصدار محدود. في المقابل، طورت الشركات الصينية بدائل محلية مثل XiaoAi من شاومي، وPangu AI من هواوي، وهي تعمل بسلاسة داخل الصين، ما يجعل هواتف هذه الشركات أكثر توافقًا مع حاجات المستخدم الصيني اليومية.
العوامل السياسية وتنامي الحس القومي في الصين
من العوامل البارزة التي ساهمت بوضوح في تراجع مبيعات هواتف آيفون في السوق الصيني هو البعد السياسي المتصاعد بين الصين والولايات المتحدة. فقد دخلت العلاقات بين القوتين العالميتين في مرحلة من التوترات المستمرة، شملت حروبًا تجارية، وتبادلًا للعقوبات، وقيودًا متزايدة على التصدير والتكنولوجيا. هذا التوتر لم يبقَ محصورًا في النطاق السياسي أو الاقتصادي فقط، بل بدأ يؤثر مباشرة على توجهات وسلوك المستهلك الصيني. فالعديد من المواطنين باتوا يرون في المنتجات الأمريكية، وعلى رأسها أجهزة آبل، تمثيلًا للقوة الغربية التي تحاول الحد من نهوض الصين كقوة تكنولوجية مستقلة.
استغلت الحكومة الصينية هذا المزاج العام لتشجيع اعتماد المنتجات الوطنية، حيث صدرت توجيهات رسمية إلى الدوائر الحكومية والمؤسسات المملوكة للدولة للتخلي عن استخدام أجهزة آيفون والمنتجات الأمريكية الأخرى، واستبدالها بأجهزة من صنع محلي، مثل تلك التي تنتجها هواوي وZTE وغيرهما. كما أظهرت تقارير إعلامية أن بعض الشركات الخاصة، وخصوصًا تلك العاملة في قطاعات استراتيجية، بدأت تتبنى سياسات داخلية تمنع الموظفين من استخدام آيفون داخل مقرات العمل، لأسباب تتعلق بالأمن السيبراني والدعم المحلي.
في هذا المناخ، لم يعد قرار شراء هاتف ذكي قرارًا فرديًا فقط يعتمد على المواصفات التقنية أو حتى السعر، بل أصبح محمّلًا بدلالات وطنية وسياسية وثقافية. كثير من المستهلكين الصينيين باتوا يعتبرون شراء هاتف هواوي أو أي جهاز محلي بمثابة موقف وطني ومساهمة في دعم اقتصاد بلدهم في مواجهة الضغوط الغربية. هذا التحول في النظرة الاستهلاكية مثّل تحديًا كبيرًا لآبل، التي وجدت نفسها خارج دائرة الاهتمام، ليس لأنها تقدم منتجًا سيئًا، ولكن لأن ولاء المستهلك بدأ يتحول بشكل واضح نحو المنتجات التي تمثل “الهوية الصينية” وتدعم الرؤية الاقتصادية للدولة.
محاولات آبل لم تنجح في إيقاف التراجع
أدركت آبل خطورة الوضع، وسارعت إلى إطلاق حملة تخفيضات نادرة في يناير 2025، حيث قدمت خصومات تصل إلى 500 يوان على بعض الطرازات، مثل iPhone 16 Pro. لكن هذه الحملة، رغم أنها كانت خطوة غير مسبوقة، لم تحقق النتائج المرجوة، لأن المستهلك الصيني يرى أن المشكلة ليست فقط في السعر، بل في القيمة الكلية مقابل المال، والتكامل مع النظام البيئي المحلي.
مستقبل آبل في الصين: هل هناك أمل؟
رغم كل التحديات، فإن السوق الصيني لا يزال مهمًا للغاية بالنسبة لآبل. ولكن إن أرادت استعادة حصتها السوقية، فعليها أن تُعيد النظر في استراتيجيتها بالكامل. عليها:
تراجع مبيعات آيفون في الصين ليس مجرد هبوط عابر، بل نتيجة طبيعية لتحولات كبيرة في السوق والسلوك الاستهلاكي والتقنيات. وإذا لم تُغير آبل استراتيجيتها جذريًا، فإنها قد تفقد موطئ قدمها في أهم سوق خارجي لها. المنافسة الآن ليست فقط في جودة الهاتف، بل في الفهم العميق للبيئة التي يُباع فيها.